عندما نعمل ونؤدي خدمة ما فعلينا ا ن نتقن عملنا ، ونؤديه على الوجه الامثل مادامت هناك
اجور تعطى لنا مقابل اعمالنا وخدماتنا هذه ، فهذه الاجور يجب ان نأكلها حلالا طيبا ، لا من جراء الغش والاهمال والتقاعس وتضييع الوقت ، فكل اهمال او غش انما هو ثغرة تفتح في جدار كياننا ، وبازدياد هذه الثغرات ، فان هذا الجدار سوف يتهدم لا محالة ، وبالتالي ينهار البناء كله لا سمح الله .
مثل الاتقان والصدق والجد والمثابرة في اداء واجباتنا واعمالنا كمثل الاجر الذي يشكل البناء ، فانعدام اية اجرة سيؤدي بالتأكيد الى انهيار هذا البناء .
فتعالوا نبدأ من جديد حياة جديدة تتسم بالوضوح والصدق والاخلاص والتفاني ، تعالوا لنعيش النصح بيننا ، وان يكون احدنا مرٍآة للاخر ، وعندها ستكون امتنا عزيزة شامخة في دنياها ، وبضمان ذلك نكون قد ضمناالاخرة والسعادة في الدارين ، فانتهاجنا للكذب والنفاق والدجل والتبرير لا ينفعنا في شيء. أهداف ، أمنيات ، مطالب ، أحلام وأشياء أخرى يريد المرئ أن يحققها في حياته ، لكن تقف أمامه عوائق وعقبات تحول بينه وبين ما يريده .
في الحقيقة لست مؤهلا لكتابة هذا المقال ، لكن الذي دفعني هو أني أفكر في طريقة لتحقيق ما أرنوا إليه ، ومن خلال كتابتي للموضوع واطلاعي عليه من حين لِآخَر يشجعني ، وكذلك توصياتكم واطلاعكم عليه يشجعني أكثر و أكثر .
خاطرة وقفت عليها في كتاب خواطر إيمانية للشيخ أحمد فريد-حفظه الله- ، يقول فيها :(ليس شيئ أنفع للعبد من صدق العزيمة و الصدق في العمل) ، إيه و الله صدقت ، واسمع ماذا قال ابن رجب رحمه الله في العزيمة ، والعزيمة هي القصد الجازم المتصل
بالفعل.انتهى كلامه، ولا قدرة للعبد على ذلك إلا بالله فلهذا كان أهم الأمور .
والصدق في العزيمة أن العزيمة على الرشد، والرشد هو طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ،
والعزم نوعان :
أحدهما:
عزم المريد على الدخول في الطريق ، وهو البداية.
والثاني :
العزم على الإستمرار ، وعلى الانتقال من حال كمال إلى حال أكمل منه ، وهو
النهاية .
فالعزم الأول يحصل للعبد به الدخول في كل خير ، والتباعد عن كل شر ، إذ به يحصل للكافر الخروج من الكفر و الدخول في الإسلام ، وبه يحصل للعاصي الخروج من المعصية والدخول في الطاعة.
إذا كانت العزيمة صادقة وصمم عليها صاحبها ، وحمل على هوى نفسه وعلى الشيطان حملة صادقة ، ودخل فيما أٌمر به من الطاعات وكل أمر ممدوح ومحمود ، فقد فاز ، ومعونة الله للعبد على قدر عزيمتها ، فمن صمم على إرادة الخير أعانه الله وثبته. قال أبو حازم : إذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح. الله أكبر .
وعند بعض السلف : متى ترتحل الدنيا من القلب ؟ قال : إذا وقعت العزيمة تؤحلت الدنيا من القلب ، ودرج القلب في ملكوت السماء ، وإذا لم تقع العزيمة اضطرب القلب ورجع إلى الدنيا ، من صدق العزيمة يئس منه الشيطان ، ومتى كان العبد مترددا طمع فيه الشيطان وسوفه ومناه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ليس للعبد أنفع من صدقه ربه في جميع أموره، فيصدق في عزمه وفي فعله، قال تعالى : ( فإذا عَزَمَ الأمرُ فلو صَدقُوا الله لكان خيرا لهم) [سورة محمد الآية21] فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل ، فإذا صدقت عزيمته بقي
عليه صدق العمل ، وهو استفراغ الوسع ، وبذل الجهد ، وأن لا يتخلف عنه بشيئ من ظاهره وباطنه.
عزيمة القصد تمنع من ضعف الإرادة و الهمة ، وصدق الفعل يمنع من الكسل و النفور ، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص ، وصدق التوكل ، فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله.
إن الصدق لله - تعالى - سبب لكل خير في الدنيا والآخرة، ولا بد من توفر الإخلاص وصدق النية في الحوار؛ ذلك لأن العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله-تعالى-وابتغي به وجهه، صواباً وموافقاً لشريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد جاءت دعوة الأنبياء لأقوامهم، بصدقهم فيها، وإخلاصهم وحسن مقصدهم، ولهذا وصف الله - تعالى - نبيه يوسف - عليه السلام - بهذه الصفة:
1- قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].
ومن النصوص الواردة في الإخلاص في الحوار: ما جاء في دعوة يوسف - عليه السلام - للسجينين، ولامرأة العزيز، ولإخوته، وصدقه وحسن نيته في حواره، وإبداء النصح لهم والبلاغ ومراقبة الله - تعالى - في السرِّ والعلن: - قال تعالى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23].
فهنا يوسف - عليه السلام - في حواره مع امرأة العزيز أعلن لها قطع الطريق الموصل إلى المعصية، مع وجود الداعي القوي فيه، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، وقدم الخوف ومراقبة الله على الفعل القبيح؛ لأنه على الحق ومن خالفه فهو على الباطل. - قال تعالى: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ يوسف: 40
يلاحظ في حوار يوسف - عليه السلام - مع صاحبي السجن أنه وطَّن نفسه، وروضها على الإخلاص لله في دعوته معهما، فدعاهما لعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، والتبرؤ من كل ما سوى الله - تعالى -.
قوله تعالى:- عندما صارح يوسف إخوته في حواره معهم بالحقيقة : ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يوسف: 89-92
يتضح
جلياً كمال يوسف - عليه السلام - في نصحه وصدق نيته، وتصفية قلبه مع إخوته - مع ما
بدر منهم - بعيداً عن الجدل والنزاع والفتنة، وهكذا سار الأنبياء في حواراتهم مع
أقوامهم ودعوتهم ومضيهم إلى طرق القلوب وتليينها واستمالتها.
No comments:
Post a Comment