Tuesday, 9 May 2017

أنواع الصدق

أنواع الصدق
الصدق في الإيمان
فقد أخرج مسلمٌ عن سفيان بن عبدالله الثقفي - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك - وفي حديث أبي أسامة: غيرك - قال: ((قل: آمنتُ بالله، فاستقم)) وفي رواية: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقم)).

قلتُ: والمتأمل في الحديث لمقصوده صلى الله عليه وسلم عن الإيمان بالله تعالى يدرك أن صدقَ الإيمان بالله لا يكون قولًا باللسان فقط، بل وباليقين بالقلب، وبرهان صدق يقينه استقامتُه على الطريق؛ أي: الالتزام بتعاليم الكتاب والسنة، أو - كما عرَّفه أهل العلم - سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعلَ الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة

وفي فتوى للجنة الدائمة عن صحة الإيمان وتعريفه قالت: "الصواب في ذلك قولُ أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، وتصديق بالجَنان، ولا يكتفى في ذلك بالنطق باللسان إلا في إجراء أحكام الدنيا؛ مِن تغسيله إذا مات، وتكفينه، ودفنه في مقابر المسلمين، ونحو ذلك من أحكام الدنيا إذا لم يعلم منه ما يقتضي كفره، وأما شهادة أن لا إله إلا الله، فمعناها (لا معبود حق إلا الله)، ولا يكفي مجرد القول، بل لا بد مِن الإيمان بالمعنى، والعمل بالمقتضى؛ كما قال الله سبحانه في سورة الحج: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [الحج: 62]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]"؛ اهـ.

وجديرٌ بالأمة أن يكون هديُ نبيِّها صلى الله عليه وسلم نبراسًا يضيء لهم طريقهم المليء بالشهوات المهلكة والفتن التي تعصف بهم في بحر لجي لا شاطئ له، إلا مَن رحم ربي منهم، وهداه - بالعمل بهديِ نبيه صلى الله عليه وسلم - إلى ما يحبه ويرضاه، ولم يجعل هواه يصدُّه عن الحق.

وبادئ ذي بدء نقول: الكثير منا يدعي الإيمان بالله تعالى قولًا باللسان، ولا ترى في حياته التزامًا بكتاب أو سنة، وهما الدليل والبرهان الساطع لاستقامته على طريق الرشاد حقًّا.

وإننا لا نشكُّ البتة أن المسلم منا قد آمن بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا ورسولًا، وبالإسلام دِينًا.
ولا نشكُّ البتة - وحاشا لله - أنه يؤمن بأن الله تعالى هو الربُّ الجليل، وهو العبد الذليل، وأن الله - جل في علاه - الخالق الباري، المحيي المميت، الحي القيوم، السميع البصير، الواحد الأحد، الفرد الصمد، له الأسماء الحسنى، وليس كمثله شيءٌ، ويؤمن بالكتب والرسل، والملائكة والجنة والنار، والقدر خيره وشره، فكل هذا وغيره لا شك في إدراك المسلم له، وينطق بها لسانه حقًّا، ولكن..
هل المسلمُ منا مؤمنٌ بالله تعالى بصدق؛ أي: عملًا بالجوارح والأركان، لا قولًا باللسان والكلمات فقط؟!
هل نحن مؤمنون حقًّا بالله تعالى ولا نخاف ولا نخشى إلا إياه - جل في علاه؟
أو بعبارة أخرى أكثر بيانًا وتوضيحًا: هل يستشعر المسلم منا عظمةَ الله في نفسه التي بين جنبَيْهِ ويستقيم على طريق الحق؟
وهل يستشعر حقيقةَ عبوديته لله - جل في علاه - في علاقته مع عباد الله؟
إن في هديِ نبينا صلى الله عليه وسلم تطبيقًا عمليًّا لحقيقة الإيمان الصادق بالقول والعمل دون تعارض بينهما، وحقيقة العبودية لله - جل في علاه - في أسمى صورها، وكما يحب ربُّنا ويرضى، فليتأمَّلِ المسلم بعقله وقلبه ما نطرحه هنا من هدي نبينا في صدق الإيمان بالله تعالى، بالقول باللسان، والعمل بالجوارح والأركان، ثم يجيب عن نفسه بكل صراحة ووضوح: هل يؤمن بالله حقًّا وصدقًّا أو أنه قد حاد عن الطريق المستقيم؟
النبي يشهَد لجارية بالإيمان:
في حديث معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - قال: وكانت لي جاريةٌ ترعى غنمًا لي قِبَل أُحدٍ والجوَّانية، فاطلعتُ ذات يومٍ فإذا الذئب قد ذهب بشاةٍ من غنمها، وأنا رجلٌ من بني آدم، آسَفُ كما يأسفون، لكني صككتها صكةً، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظَّم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ((ائتني بها))، فأتيته بها، فقال لها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، قال: ((مَن أنا؟))، قالت: أنت رسول الله، قال: ((أعتقها؛ فإنها مؤمنةٌ))
ومما لا يغيب عن فِطنة المسلم اللبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك أنها مؤمنة حقًّا وصدقًا، وليس مجرد قول باللسان، كما هو لسان حال أهل هذا الزمان، إلا مَن رحم ربي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]. 
قلتُ: وهذه الجارية في حديث معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - الذي ذكرناه آنفًا، لم تكن مؤمنة كرجال ونساء هذا العصر، إلا مَن رحم ربي، فجميعًا نقول: "الله في السماء، ولا إله إلا الله محمد رسول الله" جهارًا نهارًا، وغير ذلك مِن أركان الدين، قولًا باللسان دون بينة على صحة هذه المقولة بالعمل بالكتاب والسنَّة، وهي تشبِهُ عينَ ما قاله المرجئة قديمًا: إن الإيمان هو نطقُ اللسان بالتوحيد، مجردًا عن عقدِ قلب، وعملِ جوارح.
ولكن - قطعًا - الإيمانُ الحقيقي الصادق للجارية هو الذي جعل النبيَّ صلى الله عليه وسلم يشهد لها بالإيمان، كما لا يخفى.
ومِن ثم يصح أن يقال: إن مَن ينطق بلسانه بالتوحيد وغير ذلك مِن اعتقاد بالقلب بأركان الإيمان دون عمل يدلُّ على صحة قوله - إيمانٌ غير صادق وغير مكتمل، ويُخشَى على صاحبه مِن سوء الخاتمة، وينطبقُ عليه قولُ الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 104، 105].
يقول السعديُّ - رحمه الله - في تفسيرها: "أي: قل يا محمد للناس - على وجه التحذير والإنذار -: هل أخبركم بأخسرِ الناس أعمالًا على الإطلاق؟ ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 104]؛ أي: بطَل واضمحلَّ كلُّ ما عمِلوه من عمل، يحسبون أنهم محسنون في صنعه، فكيف بأعمالهم التي يعلمون أنها باطلة، وأنها محادَّة لله ورسله ومعاداة؟، فمَن هم هؤلاء الذين خسرت أعمالهم؛ فـ: ﴿ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15] 
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ﴾ [الكهف: 105]؛ أي: جحَدوا الآيات القرآنية، والآيات العيانية، الدالة على وجوب الإيمان به، وملائكته، ورسلِه، وكتبه، واليوم الآخِر.
﴿ فَحَبِطَتْ ﴾ بسببِ ذلك ﴿ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]؛ لأن الوزنَ فائدته مقابلةُ الحسنات بالسيئات، والنظر في الراجح منها والمرجوح، وهؤلاء لا حسناتِ لهم؛ لعدم شرطِها، وهو الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]، لكن تُعَدُّ أعمالهم وتحصى، ويقرَّرون بها، ويُخْزَوْنَ بها على رؤوس الأشهاد، ثم يعذَّبون عليها"؛ اهـ. 
وأكرِّر قولي لخطورة وأهمية هذه المسألة؛ ليهلِكَ مَن هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة، إن المتأملَ في أقوال العلماء مِن أهل السنَّة والجماعة في هذه المسالة - أي حقيقة الإيمان والصدق فيه - يجدها محلَّ إجماع؛ لكثرة الأدلة، ولقد سُئل العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: هل يكفي المعتقدُ الصحيحُ عن العمل والاستقامةِ على شرع الله؟ 
فأجاب بقوله: لا يكفي الإيمانُ المعتقَد عن العمل، لا بد مِن العمل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [لقمان: 8]، لا بد من العمل؛ يؤمِن بالله ورسوله، وتوحيد الله، ويعمَل؛ يؤدي فرائض الله، وينتهي عن محارم الله، لا بد مِن هذا وهذا؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ﴾ [لقمان: 8]، لا بد مِن الإيمان والعمل؛ اهـ.
صورٌ مِن صدق الإيمان ومِن هَدْيِ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا جميعًا؛ كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
ولتصحيحِ مفهومنا عن الإيمان، نطرح هنا هذه الأدلة الصحيحة مِن هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم لنتأمَّلَها ونتعظَ بها؛ لندركَ حقيقة الإيمان الصادق في كل أعمالنا دينًا ودنيَا، والله المستعان. 
1- مِن صور صدق الإيمان: قيام الليل:
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتعبَّد لله تعالى، ويقوم الليل، ويُطيل القيام حتى انتفخت قدماه؛ كما في الصحيحينِ مِن حديث المغيرةِ بن شعبة: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أَتَكَلَّفُ هذا وقد غفَر اللهُ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)).


- مِن صور صدق الإيمان: الحرصُ على تطبيق شرع الله تعالى وحدوده:
تطبيق الشريعة الربانية وحدود الله تعالى، ولو كان على أحب الناس إليك وأقربهم إلى قلبك دون تردُّد ولا اعتراض بحجة اختلاف العصر، ووجود حدود زاجرة أرحم بالإنسان وآدميته؛ كالحبس في السجون أو ما أشبه - دليلٌ على قوة إيمانك، وصدق محبَّتِك لله تعالى ورسوله؛ ولهذا عندما أراد أسامةُ بن زيد - رضي الله عنه - أن يشفَعَ للمرأة المخزومية التي سرَقَتْ، ردَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلا تردُّد، وهو الحِبُّ ابنُ الحِبِّ، وقال له: ((أتشفَعُ في حدٍّ مِن حدود الله؟!))، ثم قام فاختطب، ثم قال: ((إنما أهلَك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريفُ ترَكوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وايم الله، لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقَتْ، لقطعتُ يدَها)
 الصدق في العمل
عندما نعمل ونؤدي خدمة ما فعلينا ا ن نتقن عملنا ، ونؤديه على الوجه الامثل مادامت هناك اجور تعطى لنا مقابل اعمالنا وخدماتنا هذه ، فهذه الاجور يجب ان نأكلها حلالا طيبا ، لا من جراء الغش والاهمال والتقاعس وتضييع الوقت ، فكل اهمال او غش انما هو ثغرة تفتح في جدار كياننا ، وبازدياد هذه الثغرات ، فان هذا الجدار سوف يتهدم لا محالة ، وبالتالي ينهار البناء كله لا سمح الله .

ان مثل الاتقان والاخلاص والجد والمثابرة في اداء واجباتنا واعمالنا كمثل الاجر الذي يشكل البناء ، فانعدام اية اجرة سيؤدي بالتأكيد الى انهيار هذا البناء .

فتعالوا نبدأ من جديد حياة جديدة تتسم بالوضوح والصدق والاخلاص والتفاني ، تعالوا لنعيش النصح بيننا ، وان يكون احدنا مرٍآة للاخر ، وعندها ستكون امتنا عزيزة شامخة في دنياها ، وبضمان ذلك نكون قد ضمنا الاخرة والسعادة في الدارين ، فانتهاجنا للكذب والنفاق والدجل والتبرير لا ينفعنا في شيء ، فأين مفرنا من الله القهار الجبار الذي يقول وهو اصدق القائلين :

" فاذا برق البصر ، وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر ، يقول الانسان يومئذ اين المفر ، كلا لا وزر ، الى ربك يومئذ المستقر ، ينبؤ الانسان يؤمئذ بما قدم واخر






Monday, 8 May 2017

قصة عن الصدق في عصر الرسول

الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب.

قال القرطبي: الصّدّيق هو الذي يحقق بفعله ما يقوله بلسانه.
الصدق من أعظم الأخلاق التي يتَّصف بها إنسان؛ لذا كان محلَّ عناية القرآن؛ فقال تعالى موجِّهًا نداءه لكل مَنْ آمن به ربًّا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]؛ للدلالة على أن المجتمع المسلم يجب أن يتَّصف بهذه الصفة الرائعة صفة الصدق؛ لأنها مفتاح كل خير.

كان رسول الله (ص) دائمًا ما يحثُّ المسلمين على الصدق في أقوالهم وأفعالهم فيقول (ص): "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا".

كان الرسول (ص) ممازحا لأهله ملاطفا لهم، يعلم أن زوجة وأولاد يحتاجون إلى ضحكة، يحتجون إلى المزاح والبشاشة والسرور. 

1. الصادق الأمين
الرسول قدوة المسلمين. من أشهر صفات الرسول (ص) هي الصدق. فقبل البعثة لقبته قريش بالصادق الأمين. الصدق من أعظم الأخلاق التي يتصف بها الإنسان.

2. الصادق الأمين قبل البعثة
امتاز عليه الصلاة والسلام بعظم أمانته حيث عرف بين أهله بالأمين.
 موضع الحجر الأسود: فوقع بينهم التنازع والخصام الذي كاد أن يتحول إلى حرب دامية في الحرم، إلا أن أبا المغيرة المخزومي تداركها بحِكمة، فاقترح عليهم أن يحكموا أول رجل يدخل عليهم من باب المسجد، فقبلوا ذلك، واتفقوا عليه، وكان من قدر الله أن من دخل بعد هذا القرار هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه هتفوا، وقالوا: هذا الأمين رضيناه، هذا محمد.

3. النبوة والدعوة
الصدق من صفات الأنبياء والرسل:
﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾
موقف هرقل من رسالة رسول الله.

روى الإمام أحمد بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصَ وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا، فَقُلْتُ أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ رِسَالَةِ هِرَقْلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ؛ فلما أبلغه بخبر رسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وموقف هرقل.


قال: ثم دعا هرقل "رَجُلًا مِنْ عَرَبِ تُجِيبَ كَانَ عَلَى نَصَارَى الْعَرَبِ، فَقَالَ: (ادْعُ لِي رَجُلًا حَافِظًا لِلْحَدِيثِ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ أَبْعَثْهُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ بِجَوَابِ كِتَابِهِ)، فَجَاءَ بِي فَدَفَعَ إِلَيَّ هِرَقْلُ كِتَابًا، فَقَالَ: (اذْهَبْ بِكِتَابِي إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَمَا ضَيَّعْتُ مِنْ حَدِيثِهِ فَاحْفَظْ لِي مِنْهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ انْظُرْ هَلْ يَذْكُرُ صَحِيفَتَهُ الَّتِي كَتَبَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ، وَانْظُرْ إِذَا قَرَأَ كِتَابِي فَهَلْ يَذْكُرُ اللَّيْلَ، وَانْظُرْ فِي ظَهْرِهِ هَلْ بِهِ شَيْءٌ يَرِيبُكَ.


ثم يقول التنوخي: فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِهِ حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبِيًا عَلَى الْمَاءِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَاحِبُكُمْ، قِيلَ هَا هُوَ ذَا فَأَقْبَلْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ كِتَابِي فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: (مِمَّنْ أَنْتَ)، فَقُلْتُ: أَنَا أَحَدُ تَنُوخَ، قَالَ: (هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ)، قُلْتُ: (إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ وَعَلَى دِينِ قَوْمٍ لَا أَرْجِعُ عَنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ)، فَضَحِكَ.
وَقَالَ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، يَا أَخَا تَنُوخَ إِنِّي كَتَبْتُ بِكِتَابٍ إِلَى كِسْرَى فَمَزَّقَهُ وَاللَّهُ مُمَزِّقُهُ وَمُمَزِّقٌ مُلْكَهُ وَكَتَبْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِصَحِيفَةٍ فَخَرَقَهَا وَاللَّهُ مُخْرِقُهُ وَمُخْرِقٌ مُلْكَهُ وَكَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِكَ بِصَحِيفَةٍ فَأَمْسَكَهَا فَلَنْ يَزَالَ النَّاسُ يَجِدُونَ مِنْهُ بَأْسًا مَا دَامَ فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ.


قُلْتُ: (هَذِهِ إِحْدَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَوْصَانِي بِهَا صَاحِبِي)، وَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهَا فِي جِلْدِ سَيْفِي، ثُمَّ إِنَّهُ نَاوَلَ الصَّحِيفَةَ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ، قُلْتُ: (مَنْ صَاحِبُ كِتَابِكُمْ الَّذِي يُقْرَأُ لَكُمْ) قَالُوا: (مُعَاوِيَةُ).
فَإِذَا فِي كِتَابِ صَاحِبِي [أي كتاب هرقل]: (تَدْعُونِي إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ فَأَيْنَ النَّارُ؟)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ)، قَالَ: (فَأَخَذْتُ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِي فَكَتَبْتُهُ فِي جِلْدِ سَيْفِي).
فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِي، قَالَ (أي قال النبي لرسول هرقل): (إِنَّ لَكَ حَقًّا وَإِنَّكَ رَسُولٌ فَلَوْ وُجِدَتْ عِنْدَنَا جَائِزَةٌ جَوَّزْنَاكَ بِهَا إِنَّا سَفْرٌ مُرْمِلُونَ)، قَالَ فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ طَائِفَةِ النَّاسِ قَالَ أَنَا أُجَوِّزُهُ فَفَتَحَ رَحْلَهُ فَإِذَا هُوَ يَأْتِي بِحُلَّةٍ صَفُورِيَّةٍ فَوَضَعَهَا فِي حَجْرِي، قُلْتُ: مَنْ صَاحِبُ الْجَائِزَةِ قِيلَ لِي عُثْمَانُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَيُّكُمْ يُنْزِلُ هَذَا الرَّجُلَ، َقَالَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا، َقَامَ الْأَنْصَارِيُّ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا خَرَجْتُ مِنْ طَائِفَةِ الْمَجْلِسِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتَعَالَ يَا أَخَا تَنُوخَ، فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي إِلَيْهِ حَتَّى كُنْتُ قَائِمًا فِي مَجْلِسِي الَّذِي كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَقَالَ هَاهُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ لَهُ فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضُونِ الْكَتِفِ مِثْلِ الْحَجْمَةِ الضَّخْمَةِ.




تعريف الصدق

تعريف الصدق
معنى الصدق لغة :الصدق ضدُّ الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقًا وصِدْقًا وتَصْداقًا، وصَدَّقه: قَبِل قولَه، وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق، ويقال: صَدَقْتُ القوم. أي: قلت لهم صِدْقًا وتصادقا في الحديث وفي المودة1.
أما مفهوم الصدق اصطلاحا فهو وصف، أو إخبار، أو إبلاغ عن شيء ما، أو حدث ما بما هو واقع، وهو نفيض الكذب، وهو أيضا مطابقة القول مع الضمير، أو مطابقة قول المخبر عنه، وإذا أخل بأحد الشروط لم يعد صدقا، والصدق من أفضل السمات الإنسانية والفضائل الأخلاقية التي يجب التحلي بها2.

الأمر بالصدق

 قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" (سورة التوبة، آية:119) . وقد خص الله عز وجل لفظة الصادقين بهذه الآية الكريمة دون غيرها من الألفاظ؛ لأن الصادق هو الذي يستطيع نفع وتقديم كل ما هو خير لغيره، وعندما يصاحب المسلم الصادقين فإنه يأخذ من آدابِهم، وأخلاقهم، وعلمهم، وأحوالهم، وهذا كله مدعاة لنجاة المرء.

أما الدليل في الحديث، كما قال الرسول -عليه السلام-: (إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)3. يتحقق البر هنا بالصدق، وهي كلمة جامعة للأعمال الصالحة، وجميع أبواب الخير والفضل. هذا الحديث يدل على أن الصدق سبيل الأمة للنجاة من المهالك. لذلك، يجب علينا أن نكون صادقين في كل أعمالنا لأنها صادق يستطيع أن يعكس حسن الخلق فينا.





المراجع
1 "معنى الصدق لغة و اصطلاحا"، موسوعة الأخلاق، الدرر السنية،1436 هـ، اطلع عليه بتاريخ 07-5-2017. بتصرف. http://www.dorar.net/enc/akhlaq/831
2 Marlean، "الصدق طريق النجاة"، ١ أغسطس ٢٠١٦، اطّلع عليه بتاريخ 07-5-2017. بتصرف. الصدق_طريق_النجاة/ mawdoo3.com
3 رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6094.




الصدق في العبادة والعزمة

 

 

عندما نعمل ونؤدي خدمة ما فعلينا ا ن نتقن عملنا ، ونؤديه على الوجه الامثل مادامت هناك
اجور تعطى لنا مقابل اعمالنا وخدماتنا هذه ، فهذه الاجور يجب ان نأكلها حلالا طيبا ، لا من جراء الغش والاهمال والتقاعس وتضييع الوقت ، فكل اهمال او غش انما هو ثغرة تفتح في جدار كياننا ، وبازدياد هذه الثغرات ، فان هذا الجدار سوف يتهدم لا محالة ، وبالتالي ينهار البناء كله لا سمح الله .

مثل الاتقان والصدق والجد والمثابرة في اداء واجباتنا واعمالنا كمثل الاجر الذي يشكل البناء ، فانعدام اية اجرة سيؤدي بالتأكيد الى انهيار هذا البناء .
 

فتعالوا نبدأ من جديد حياة جديدة تتسم بالوضوح والصدق والاخلاص والتفاني ، تعالوا لنعيش النصح بيننا ، وان يكون احدنا مرٍآة للاخر ، وعندها ستكون امتنا عزيزة  شامخة في دنياها ، وبضمان ذلك نكون قد ضمناالاخرة والسعادة في الدارين ، فانتهاجنا للكذب والنفاق والدجل والتبرير لا ينفعنا في شيء. أهداف ، أمنيات ، مطالب ، أحلام وأشياء أخرى يريد المرئ أن يحققها في حياته ، لكن تقف أمامه عوائق وعقبات تحول بينه وبين ما يريده .

 

في الحقيقة لست مؤهلا لكتابة هذا المقال ، لكن الذي دفعني هو أني أفكر في طريقة لتحقيق ما أرنوا إليه ، ومن خلال كتابتي للموضوع واطلاعي عليه من حين لِآخَر يشجعني ، وكذلك توصياتكم واطلاعكم عليه يشجعني أكثر و أكثر .


خاطرة وقفت عليها في كتاب خواطر إيمانية للشيخ أحمد فريد-حفظه الله- ، يقول فيها :(ليس شيئ أنفع للعبد من صدق العزيمة و الصدق في العمل) ، إيه و الله صدقت ، واسمع ماذا قال ابن رجب رحمه الله في العزيمة ، والعزيمة هي القصد الجازم المتصل
بالفعل.انتهى كلامه، ولا قدرة للعبد على ذلك إلا بالله فلهذا كان أهم الأمور .



والصدق في العزيمة أن العزيمة على الرشد، والرشد هو طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ،
والعزم نوعان :

أحدهما:
 عزم المريد على الدخول في الطريق ، وهو البداية.

والثاني :
 العزم على الإستمرار ، وعلى الانتقال من حال كمال إلى حال أكمل منه ، وهو
النهاية .

 

فالعزم الأول يحصل للعبد به الدخول في كل خير ، والتباعد عن كل شر ، إذ به يحصل للكافر الخروج من الكفر و الدخول في الإسلام ، وبه يحصل للعاصي الخروج من المعصية والدخول في الطاعة. 

إذا كانت العزيمة صادقة وصمم عليها صاحبها ، وحمل على هوى نفسه وعلى الشيطان حملة صادقة ، ودخل فيما أٌمر به من الطاعات وكل أمر ممدوح ومحمود ، فقد فاز ، ومعونة الله للعبد على قدر عزيمتها ، فمن صمم على إرادة الخير أعانه الله وثبته. قال أبو حازم : إذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح. الله أكبر .
وعند بعض السلف : متى ترتحل الدنيا من القلب ؟ قال : إذا وقعت العزيمة تؤحلت الدنيا من القلب ، ودرج القلب في ملكوت السماء ، وإذا لم تقع العزيمة اضطرب القلب ورجع إلى الدنيا ، من صدق العزيمة يئس منه الشيطان ، ومتى كان العبد مترددا طمع فيه الشيطان وسوفه ومناه.

 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ليس للعبد أنفع من صدقه ربه في جميع أموره، فيصدق في عزمه وفي فعله، قال تعالى : ( فإذا عَزَمَ الأمرُ فلو صَدقُوا الله لكان خيرا لهم) [سورة محمد الآية21] فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل ، فإذا صدقت عزيمته بقي
عليه صدق العمل ، وهو استفراغ الوسع ، وبذل الجهد ، وأن لا يتخلف عنه بشيئ من ظاهره وباطنه.

 

عزيمة القصد تمنع من ضعف الإرادة و الهمة ، وصدق الفعل يمنع من الكسل و النفور ، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص ، وصدق التوكل ، فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله.

 

إن الصدق لله - تعالى - سبب لكل خير في الدنيا والآخرة، ولا بد من توفر الإخلاص وصدق النية في الحوار؛ ذلك لأن العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله-تعالى-وابتغي به وجهه، صواباً وموافقاً لشريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم  -.

وقد جاءت دعوة الأنبياء لأقوامهم، بصدقهم فيها، وإخلاصهم وحسن مقصدهم، ولهذا وصف الله - تعالى - نبيه يوسف - عليه السلام - بهذه الصفة:

 

1- قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].

ومن النصوص الواردة في الإخلاص في الحوار: ما جاء في دعوة يوسف - عليه السلام - للسجينين، ولامرأة العزيز، ولإخوته، وصدقه وحسن نيته في حواره، وإبداء النصح لهم والبلاغ ومراقبة الله - تعالى - في السرِّ والعلن: - قال تعالى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23].

 

فهنا يوسف - عليه السلام - في حواره  مع  امرأة العزيز أعلن لها قطع الطريق الموصل إلى المعصية، مع وجود الداعي القوي فيه، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، وقدم الخوف ومراقبة الله على الفعل القبيح؛ لأنه على الحق ومن خالفه فهو على الباطل. - قال تعالى: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ يوسف: 40

يلاحظ في حوار يوسف - عليه السلام - مع صاحبي السجن أنه وطَّن نفسه، وروضها على الإخلاص لله في دعوته معهما، فدعاهما لعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، والتبرؤ من كل ما سوى الله - تعالى -.

 قوله تعالى:- عندما صارح يوسف إخوته في حواره معهم بالحقيقة : ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يوسف: 89-92

يتضح جلياً كمال يوسف - عليه السلام - في نصحه وصدق نيته، وتصفية قلبه مع إخوته - مع ما بدر منهم - بعيداً عن الجدل والنزاع والفتنة، وهكذا سار الأنبياء في حواراتهم مع أقوامهم ودعوتهم ومضيهم إلى طرق القلوب وتليينها واستمالتها.



Sunday, 7 May 2017



فلم قصير عن آثار الكذب




مكانة الصدق في الإسلام


حقيقة الصدق ومراتبه ومكانته في الإسلام


          إنّ لفظ الصدق قد تسمّى به الله عزّ وجلّ بقوله: {وإِنَّا لَصَادِقُونَ}[1] فالصدق ما تضمنه كلامه عزّ وجلّ من شهادته لنفسه بالوحدانيّة, وبجميع ما أثنى عليه على نفسه, وبأن لا فاعل إلا هو سبحانه, وأمّا حقيقتهُ في العباد فهو استواءُ السريرة والعلانية, والظاهر والباطن.[2]

          وللصدق ستُّ مراتب, ويستعمل في ستَّة معان وهي:

1-              صدق اللسان والقول
وذلك لا يكون إلا في الإخبار, وفيه التنبيه عليه ماضياً أو مستقبلاً, ويحتاج إلى الوفاء بالوعد.[3] وعلى ذلك يجب على كل عبد أن يحفظ ألفاظه, فلا يتكلم إلا بالصدق.
2-              صدق النّيّة والإرادة
يرجع هذا الباب إلى الإخلاص لله تعالى في كل الأحيان سواء في الحركات والسكنات. كما المعروف أن حديث الأول في أربعين النوويّة يتكلم عن النّيّة. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: (( إِنّمَا الأّعْمَالُ بِالنِّيَّات وَإِنّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا أَوْ يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَنْكِحُهَا, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ))[4]
3-              صدق العزم
العزم على الخير, وعلى سبيل المثال عزم على النجاح في الحياة الدنيا والآخرة, سوف يفعل كثير فعل الخير ويحاول بجِدّ إلى غايته. كما قال الإمام الحسن البنا : [ إذا صدق العزم وضح السبيل, وأن الأمة القوية الإرادة إذا أخذت في سبيل الخير فهي لا بدّ واصلة إلى ما تريد إن شاء الله تعالى, فتتوجهوا والله معكم ].[5]
4-              الصدق الوفاء بالعزم
الوفاء بالعزم عند القدرة على المعزوم عليه. فقد امتدح الله عز وجل هؤلاء الذين ثبت عزمهم ووفوا بذلك فقال تعالى في القرآن الكريم : { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدَيلًا }.[6]
قال أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز – رحمه الله - : رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء, فقالا لي : ما الصدق ؟ قلت : الوفاء بالعهد.[7]
5-              الصدق في الأعمال
وهو أن لا يكذب في أعماله وأحواله. قال عبد الواحد بن زيد البصري – رحم الله - : كان الحسن البصري – رحم الله – إذا أمر بشيءٍ كان أعمل الناس به, وإذا نهى عن شيءٍ كان من أترك الناس له, ولم أر أحدًا قطّ أشبه سريرة بعلانيةٍ منه.[8]
6-              الصدق في مقامات الدَّين
هو أعلى الدرجات وأعزّها, وعلى سبيل المثال : الصدق في الخوف, والرجاء, والتعظيم, والزهد, والرضا, والحبّ, والتوكل, ومع ذلك.
قال أحد العلماء : من أراد أن يكون الله معه فليزم الصدق, فإن الله تعالى قال في كتابه العزيز : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامّنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }.[9]

إن منزلة ومكانة الصدق والصّدّيقين تكون في الأول مرتبة من الباب الفضائل, وأما الكذب والكذابون في الدرك الأسفل من الرذائل. إذا يكذب مرة فيكذب أبدًا. كما في حديث صلى الله عليه وسلم : (( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا )).[10]

قد يتبادر لبعض المسلمين أن الصدق أنك إذا سُئلت عن شيء أن تجيب إجابة صحيحة وقعت، هذا جانب من جوانب الصدق، ولكن الصدق يعد سمة أساسية في شخصية المؤمن، فهو صادق مع نفسه، وصادق مع ربه، وصادق مع خلقه، وصادق مع البهيمة.[11]

وخلاصة القول, أن الصدق من الأخلاق الكريمة ويحمل إلى الخير أما الكذب من الأخلاق القبيحة ويحمل إلى الشرّ. فاستعن بالله على يستقم بكلام صدق وحق ولو بشعور ملح ذلك الحقيقة. بالصدق يستطيع الشخص يشعر الآمن والفرح والسرور. واستعذ بالله على الكذب أبدًا.






[1]  سورة الأنعام : 146
[2]  الصدق والصادقون في القرآن العظيم والسنة النبوية, أحمد خليد جمعة, دار الكلم الطيب : دمشق- بيروت, 1415 ه, ص 37
[3]  انظر : الصدق والصادقون في القرآن العظيم والسنة النبوية, ص 38
[4]  أخرجه البخاري
[5]  http://www.goodreads.com/quotes/491267
[6]  سورة الأحزاب : 23
[7]  انظر : الصدق والصادقون في القرآن العظيم والسنة النبوية, ص 39
[8]  انظر: الصدق والصادقون في القرآن العظيم والسنة النبوية, ص 41
[9]  سورة التوبة : 119
[10]  متفق عليه
[11]  http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=10173

أنواع الصدق

أنواع الصدق الصدق في الإيمان فقد أخرج مسلمٌ عن سفيان بن عبدالله الثقفي - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا ...